المشاهد نت

تعز: صحفيون دفعوا حياتهم ثمنا لنقل الحقيقة.

 تعز-أحلام محمد:

ثوانٍ قليلة فقط فصلت بين الإعلامي أحمد الشيباني وزملائه الآخرين الذين كانوا يفرون من رصاص قناصة الحوثيين في السادس عشر من فبراير 2016 ، بحي الحصب جولة المرور بتعز، الذين يترصدون وبإصرار حياة الصحفيين.

نجا البقية وسقط المصور الشيباني شهيدا، بعد أن استقرت رصاصة قناصة حوثي في رأسه. تعلق زملاءه بأمل نجاته لكن ما إن أوصلوه إلى المستشفى حتى تأكدوا بأنه فارق الحياة.

وتقول الصحفية آفاق الحاج وبوجع، إن تلك الحادثة كانت تجربة صعبة، فلقد رأته يسقط شهيدا ولم يكن بينها وبينه سوى بضع خطوات، ولا تهمة له غير أنه كان يحمل الكاميرا، وشكلَّ استهدافه ذاك فاجعة وصدمة للوسط الإعلامي بتعز ككل.

وتضيف لـ”المشاهد”، “كان أحمد أول صحفي يسقط شهيدا في تعز، ليسقط بعده زملاء آخرون ضمن مسلسل الانتهاكات المتواصل الذي ترتكبه جماعة الحوثي بحق الصحفيين، في ظل صمت دولي مطبق، حتى صارت دماء الصحفيين في اليمن رخيصة وغير ذات قيمة، وهم يدفعون الثمن باهظا حتى اليوم في سبيل نقل الحقيقة ومستمرون في تأدية عملهم”.

وتذكر نقابة الصحفيين اليمنيين في بيان صادر عنها، أن الحريات الصحافية لازالت تعيش وضعا حرجا، مع استمرار حالة العنف والعدائية تجاه الصحافة والصحفيين من كافة الأطراف. نقل الحقيقة باهض الثمن في منتصف فبراير 2016 دفع المصور الشيباني حياته، ثمنا لنقل الحقيقة عن تعز المحاصرة حتى اليوم.

في ذلك اليوم كان الصحفي الشيباني  في أول مهمة رسمية من قناة اليمن الفضائية، لتغطية المعارك التي كانت بين الجيش الوطني والحوثيين، ووثق مع زملائه جريمة إحراق جماعة الحوثي  مصنع هزاع طه للبلاستيك .

لكن قناصة الحوثي الذي كان يستقر في تلة الأرانب أبى إلا أن يغتاله،

ورحل الشيباني مخلفا وراءه أربعة أطفال يعيشون أوضاعا صعبة للغاية بعد أن فقدت الأسرة عائلها الذي كانت تعتمد عليه.

إصرار وعزيمة

في الوقت الذي كانت عدسة الإعلامي عبدالعزيز الذبحاني توثق للمعارك هناك، لم يتوقع أن ترصد لحظة استشهاد زميله الشيباني، وشاءت الأقدار أن يكون الفيديو الذي خرج به شاهدا على بشاعة ما يتعرض له الصحفيون بتعز، فعقب سقوط أحمد أخرجته المقاومة بصعوبة نتيجة استمرار إطلاق الرصاص في ذات المكان.

ويؤكد الذبحاني لـ”المشاهد” أنه أكثر إصرارا على الاستمرار في توثيق انتهاكات وجرائم الحوثيين ضد الإنسانية ونقلها إلى سائر العالم، بعد أن ظنت تلك الجماعة أنها قادرة على اسكات الأخرين بقتلها للشيباني.”

واستطرد “نحن كصحفيين يمنيين نتعرض للكثير من الانتهاكات التي تمارسها مليشيات الانقلاب سواء في المناطق التي تسيطر عليها أو في المناطق المحررة التي تخضع لسيطرة الجيش الوطني، كالتعذيب حتى الموت، وحتى مصادرة الممتلكات والإخفاء في سجون سرية، فضلا عن الصعوبات بسبب الحصار بتعز الذي يجعل التنقل صعبا خوفا من الاختطافات.

وأشار إلى معاناة الصحفيين بسبب الوضع الاقتصادي الحالي الذي تمر به البلاد كسائر المواطنين، ووجود بعض الذين لا يعرفون قيمة الرسالة الإعلامية، ما يجعل الصحفي أمام خيارات صعبة تعيق عمله لكنه يقول “هناك قضية يعمل من أجلها معظم الصحفيين الأحرار في البلاد، وهي تحتم عليهم العمل تحت أي ظرف، وتجعلهم مصرون على تأدية عملهم”.

إقرأ أيضاً  في يوم حرية الصحافة.. إحالة صحفي للنيابة بعدن

وتمثل الذكرى الثالثة لاستشهاد المصور الشيباني للإعلامي محمد القاسم، استحضار بشاعة المرحلة التي يعيشها اليمنيون ووحشية الحوثيين على وجه الخصوص تجاه الصحافة والكاميرا. وأضاف لـ”المشاهد”، “مادامت الحرب مستمرة وجماعات العنف هي من تتصدر المشهد، لن تتوقف الانتهاكات بحق الجميع وعلى رأسهم الصحفيين، لأن قيمتهم في كونهم الناقل الصورة والموثق المشهد”، لافتا إلى ضرورة أخذ الصحفي احتياطات السلامة لحماية حياته.

مهنة المصاعب

ويعمل الصحفي اليمني في بيئة كلها معاناة وفي ظروف أكثر تعقيدا، فجميع أطراف الحرب تجعل منه خصما وهدفا متوقعا لاستهدافه والتضييق عليه، والتوقيف والاعتقال والقنص والاستهداف، فيصبحوا وكأنه فيما يشبه المغامرة التي نهايتها معلومة سلفا وفق الصحفي حسن الفق. وقال لـ”المشاهد”، “يخاف الحوثيون من الصحفيين من منطلق عقائدي تعبوي تحريضي من خطاب قادها زعيم الجماعة باعتبار هذه الفئة أكثر خطرا من المقاتلين، وعلى هذا الأساس يتم استهدافهم والتنكيل بهم، ويواجه الكثير منهم الموت التدريجي في سجونهم.” وتناصب جهات أخرى الصحفيين العداء لطبيعة عملهم القائم على الإخبار ونشر متعلقات الصراع القائم. وتفكر مختلف الأطراف بأن تخمد هذه الفئة كما تمارس ما يحلو لها من الانتهاكات، بحسب الفقيه.

ويرى أنه لا خيار أمام الصحفي سوى مواصلة عمله، لأنه منذ البداية ألتحق بهذه المهنة وهو يدرك تباعاتها وضريبتها، لكنه يفضل البقاء رغما عن ذلك، فضلا عن عدم وجود خيار آخر أمامه كي يترك مهنته.

انتهاكات بالجملة

وتعددت الانتهاكات بحق الصحفيين في اليمن، وتنوعت مصادرها بعد أن كانت منذ بدء الحرب في مارس 2015 مقتصرة على جماعة الحوثيين، لكنها توسعت بشكل كبير، ولا يزال في سجون تلك الجماعة حوالي 14 صحفيا بحسب تقرير صدر عن نقابة الصحفيين اليمنيين في أكتوبر 2018.

وكانت منظمة صحفيات بلا قيود، قد رصدت 200 حالة انتهاك بحق صحفيين يمنيين، بينها 12 حالة قتل منذ بداية 2018، الذي وصفته بالأكثر دموية مقارنة بالأعوام السابقة. وأكدت على مقتل 12 صحفيًا، منهم 6 على أيدي قوات التحالف العربي، فيما قتل الحوثيون أربعة، وقتل مسلحون مجهولون صحفيين اثنين خلال العام الجاري.

وأفادت المنظمة، بمقتل 39 صحفيًا بين عامي 2014 و2018، وتعرض أكثر من ألف صحفي لانتهاكات متنوعة، شملت “القتل، محاولة القتل، اعتداءات، تعذيب، اختطاف، تهديد، تحريض، تشهير، محاكمات، حجب مواقع إلكترونية، إغلاق وقصف مقرات مؤسسات إعلامية ومنع من السفر”.

كما دعت المنظمة إلى إنهاء ظاهرة “الإفلات من العقاب” في الجرائم بحق الصحفيين، وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، والكشف عن نتائج التحقيق، وتقديم الجهات والأفراد الذين ارتكبوا تلك الجرائم إلى المحاكمة.

مقالات مشابهة