المشاهد نت

باحثٌ إقتصاديٌ يستعرض سلبياتِ قرار رفع نسبة الفائدة ويعتبره كارثي

تعز -ياسر المقطري:
يفند الباحث المتخصص في القطاع المالي والمصرفي ياسر المقطري قرار البنك المركزي برفع نسبة الفائدة الي ٢٧٪ مقارنة بـ ١٦٪ في السابق، ويتناول في مقال تحليلي النتائج السلبية التي سيتسبب بها هذا القرار والمتمثلة في تفاقم الدين المحلي والذي اقترب من ٥ ترليون ريال، مشيراً الي أن ذلك سيتسبب في مزيد من الركود الإقتصادي الذي يعاني منه الإقتصاد اليمني قبل القرار.
تفاصيل المقال :
صدر قرارُ رفع نسبة الفائدة في سبتمبر 2018 من قبل محافظ البنك المركزي، وذلك بناءً على توصيةٍ من اللجنة الاقتصاديةِ المشكلة مؤخراً ،وذلك لامتصاص السيولة بالعملة المحلية والتي تسببت بحسب القرار إلى تدهور أسعار العملة مقابل سلة العملات الأجنبية ،وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم بشكلٍ جنوني في أسعار السلع والخدمات ،إلى هنا المبرر لا غبار عليه ورفع نسبة الفائدة إحدى أدوات السياسية النقدية التقليدية أو الكلاسيكية التي دأبت عليها كثيرٌ من سلطات النقد في العالم عندما تلاحظ ارتفاع معدلات التضخم ،بسبب التوسع في حجم الاستهلاك وزيادة معدلات الاقتراض.
لكن هذه السياسات النقدية ليست صالحة لكل زمان ومكان ،ولها انتقادات واسعة من كثير من الخبراء الاقتصاديين لما لها من تأثيرات على جوانب أخرى في الاقتصاد، فلعل أبرز تلك الآثار هي انكماش الاقتصاد وتباطؤ معدلات النمو في ظل اقتصاد بالأصل هو منكمش ويتدهور بشكلٍ سلبي، وزيادة نسب التضخم بشكل أكبر على ماهي عليه الآن ومعدلات نموه من قبل الحرب الأخيرة هي بالأساس متباطئة وبعض الأعوام سالبة، جراء عدم الاستقرار السياسي والمشاكل الهيكلية في الاقتصاد منذ فترة طويلة نتيجة السياسات المالية والاقتصادية التي تعتمد على التمويل التضخمي لسد عجز الموازنة وبمعدلات فائدة عالية.
الأمر الثاني رفع معدلات الفائدة بهذه النسبة الكبيرة كارثة على المشروعات والمصانع المعتمدة على القروض والتمويل البنكي حيث سيؤدي ذلك إلى ارتفاع كلفتها بشكل غير طبيعي حيث تعاني كثير من المؤسسات والشركات والمصانع في الوقت الراهن من ارتفاع تكاليف ناتجة عن ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية وارتفاع اسعار النقل والمحروقات ،بالإضافة إلى ارتفاع الضرائب والجمارك المزدوجة ما بين محافظة وأخرى جراء الإتاوات التي تدفع من قبلها لسلطات الأمر الواقع، علاوة على ارتفاع كلفة الأيدي العاملة في حال افترضنا أن تلك الشركات اضطرت إلى رفع اجور الأيدي العاملة لمنتسبيها تماشياً مع معدلات التضخم الهائلة في البلد، وتآكل قيمة العملة المحلية.
الامر الثالث والكارثة رفع أسعار الفائدة ستكبد خزينة الدولة عشرات المليارات من الريالات لقاء ارتفاع تكاليف خدمة الدين العام المحلي والذي بلغ 4.9 ترليون ريال وفقاً لآخر تقارير صادرة عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة 2017م، يشكل الدين العام المحلي 85% من الناتج المحلي الإجمالي مخالفاً بذلك المعايير الدولية ،وهذا يعني أن الحكومة ستكون مضطرة أيضاً إلى دفع فوائد القروض التي ستنشأ والفوائد المركبة التي ستدفع بنسبة الفائدة المعلن وهي 28% من إيراداتها الحالية والمستقبلية فهذه التجربة لم تنجح في ظل الاستقرار فكيف لها أن تنجح في ظل الحرب الدائرة والتعقيدات السياسية والاقتصادية الراهنة ،لقد ارتفع الدين العام المحلي خلال الفترة 2010-2014 من 1.2 تريليون ريال إلى 3.1 تريليون ريال بنسبة زيادة 145%،ولم تتغير معه نسبة العملة النقدية خارج البنوك سوى بنسبة 1.1% وهذا يعني أن الأفكار السهلة على غرار وصفات الوجبات السريعة من اللجنة الاقتصادية الذي يعتبر معظم أعضائها خريجي تلك المدرسة القائمة على (الفوائد وأذون الخزانة) لن تجدي.
الاقتصاد اليوم هو اقتصاد حرب وليس اقتصاد مستقر يمكن لمعادلات الاقتصاد الكلي أن تنجح فيه، يجب النظر إلى الأسباب الحقيقية للتضخم بعيداً عن تطبيق القواعد النظرية والوصفات السهلة والسريعة، التضخم الحاصل ناتج عن ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية غير المبرر لبلد مستورد كل حاجياته بسبب المضاربين والسوق السوداء في ظل غياب أجهزة الدولة الرقابية عليها، والتي تستغل تدفق النقد الأجنبي الذي يدخل البلد بطرق غير شرعية ولصالح تجار الحروب وكذلك تدفق أموال وحوالات المغتربين الذين تضرروا نتيجة سياسات سوق العمل السعودي، ولم يكن ناتج عن الإنفاق الاستهلاكي وحجم الطلب على المنتجات والسلع المستوردة ، فالاستهلاك في أدنى مستوياته في ظل أسوأ مجاعة يشهدها البلد على الإطلاق، وفي هذه الحالة لا يمكن أن يكون الحل هو رفع نسبة الفائدة بشكل مطلق.
الشيء الآخر أن نسبة الاقتراض من البنوك المحلية ينخفض أنظروا للبيانات المالية للبنوك خلال الأعوام الماضية، إن الذي يزيد في بياناتها المالية -فقط- وبالذات البنوك التقليدية هو بند “الاستثمار في الأوراق المالية” يعني أذون الخزانة، وشهادات الإيداع هذا البند يزيد بشكل جنوني، فلمصلحة من يتم رفع نسبة الفائدة بهذا الرقم المخيف وهي أصلاً لا تؤثر أبداً على سياسات الاقتراض من البنوك.
إذا كان ولابد من رفع نسبة الفائدة فيمكن حصرها فقط في (الودائع النقدية) بالعملة المحلية المودعة (بعد قرار الرفع )سواء للأفراد أو الشركات المودعة، وليست لأرصدة الحسابات الدفترية السابقة للبنوك طرف المركزي.
لكن يبقى أيضاً السؤال الأهم: هل لدى الحكومة خطط لمشاريع تنموية لاستيعاب تلك الأموال المقترضة ستعود عليها بمزيد من الإيرادات؟ هل ستذهب تلك الأموال إلى الإنفاق الرأسمالي وإعادة الإعمار وبالأخص للمنشآت التي ستعود عليها بموارد أو ستخفف عليها نفقات النقد الأجنبي؟ أم أن تلك الأموال التي ستدفع عليها تكلفة وستفاقم الدين العام المحلي ستذهب إلى النفقات الجارية المبالغ فيها في ظل ثقوب الفساد السوداء التي تلتهم كل إيراد وأموال تنفقها الحكومة في الفترة الراهنة.
لماذا لا تستغل الحكومة التمويلات التي تخدم مشاريع حيوية وبشكل مباشر بعيداً عن الثقوب السوداء، وفيها الكثير من الشفافية على الأقل كإصدار الصكوك لتمويل مشاريع بنية تحتية يساهم فيها الجميع بنوك وأفراد وشركات؟! لماذا لا تستغل قدرات وإمكانيات القطاع الخاص في المساهمة بإعادة الإعمار بعيداً عن التكلفة التي قد تدفع لخدمة الدين العام ،وسيؤثر نشاط القطاع الخاص بشكل غير مباشر على العرض النقدي بالعملتين المحلية والاجنبية؟
يجب على رئيس الوزراء الجديد واللجنة الاقتصادية أن تعيد النظر في قرار كارثي كهذا، والبحث عن سياسات نقدية مدروسة ومبنية على أرقام وليست على مصالح!؟!؟

مقالات مشابهة