المشاهد نت

اليمن .. عن قطار الزواج الذي انقلب في الحرب

عرس جماعي

المشاهد- صنعاء – علي سالم :
“اطمئن الذين فاتهم قطار الزواج إلى أن قطار المتزوجين انقلب بهم”.. قد تبدو هذه طُرفة لكنها في الحقيقة تعكس وضعاً مأساوياً حقيقياً يشهده اليمن، ذاك أن انقلاب 21 أيلول (سبتمبر) 2014 قلب قطارات الحياة كلها وأشعل حرباً أهلية هي الأسوأ في تاريخ اليمن الحديث.
وإضافة إلى انعدام الأمن وتعطيل القوانين تسببت الحرب المستمرة منذ 3 سنوات في زعزعة كيان المجتمع وأفشلت مشاريع خطوبة وزواج ورفعت نسبة العازبات والأرامل، ولعل أهم ما فعلته أنها كشفت الوجه الحقيقي لدعاة حقوق الإنسان ومعارضي زواج القاصرات.
“لا تصفني بالناشطة”، تقول منال (30 سنة)، معبرة عن صدمتها جراء ما آلت اليه صفة ناشط وناشطة من معنى سلبي بعدما صار بعض الذين شاركت معهم في حملات مجتمعية أنصاراً للانقلاب.
ولئن حدد مؤتمر الحوار الوطني (آذار/ مارس 2013- كانون الثاني/ يناير2014) سن 18 سنة حداً أدنى للزواج ومعاقبة من يخالف ذلك، بيد أن الانقلاب المسلح الذي نفذته جماعة الحوثيين المدعومة من إيران والقوات العسكرية الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، نسف كل التوجهات الرامية إلى بناء دولة ديمقراطية حديثة.
ويرى الباحث الشاب سعيد عبد الغفور أن قضايا الزواج لم تعد ذات أولوية في مجتمع يفتقر للأمن و80 في المئة من سكانه بحاجة إلى لقمة العيش، مؤكداً لـ “الحياة” أن من شأن هذه الأوضاع مفاقمة زواج الصغيرات وأعداد الأرامل و “العانسات” وربما الطلاق أيضاً.
ولا تتوافر حالياً إحصائيات دقيقة حول الزواج في اليمن، لكن دراسة استقصائية أجراها عام 2012 صندوق الأمم المتحدة للسكان، قدرت نسبة اليمنيات اللائي يتزوجن قبل بلوغهن 18 عاماً بنحو 32 في المئة، فيما 10 في المئة يتزوجن قبل سن 15 عاماً.
ولئن أثارت قضية زواج القاصرات في اليمن اهتماماً على المستوى العالمي، تبقى مشكلة “العنوسة” من القضايا المسكوت عنها على رغم تفشيها، مع وجود أكثر من مليوني فتاة عازبة في عمر الزواج قدّرها تقرير للجهاز المركزي للإحصاء صدر في 2009. وترجح مصادر متخصصة ارتفاع العدد إلى ما لا يقل عن ضعفين، خصوصاً مع تفشي المجاعة وتوقّف رواتب 80 في المئة من الموظفين الحكوميين منذ أكثر من سنة.
وتتفق الآراء تقريباً على اعتبار الموظفات والعاملات في المجال العام الأكثر عرضة لعدم الزواج بسبب استمرار الثقافة التقليدية التي تعيب تعليم الأنثى ناهيك بعملها، بحيث تبلغ بعض الموظفات سن التقاعد قبل أن يتزوجن.
وتذكر مرام (39 سنة) أن أستاذة جامعية تزوجت بعد بلوغها سن الخمسين بموجب وصية صديقتها تشكل مضرب مثل يحكى دائماً، لكنه يبقى كحالة استثنائية. وتتمثل القصة التي تحققت منها “الحياة” أن صديقة الأستاذة الجامعية كانت تعاني من السرطان فطلبت من زوجها أن يعاهدها بالزواج من صديقتها بعد وفاتها.
وتعد الأنثى الضحية الأكبر في حالات السلم والحرب، وتسببت النزاعات المسلحة المتقطعة التي يشهدها اليمن منذ أكثر من 20 عاماً في زعزعة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. ويلفت عبد الغفور إلى قضية ارتفاع الأرامل اللائي فقدن أزواجهن في الحرب الجارية وفي ما عرف بحروب صعدة (2004-2009).
والحق أن الاضطرابات الدورية التي ما فتئت تعصف بالبلد الأفقر والأقل استقراراً لا تؤثر في الإناث فقط، بل تطال الذكور أيضاً. فلئن ورّثت مريضة السرطان زوجها لصديقتها الجامعية، فإن والد علوان (اسم مستعار) لم يورث له غير الخوف من الزواج حيث يذكر علوان (52 عاماً) أنه لم يتزوج حتى الآن حتى لا يورث أبناءه التعاسة كما أورثه إياها والده.
وتعود قصة علوان كما رواها لـ “الحياة” إلى موت والده عندما كان في سن الرابعة حينها تكفله أقارب له يقطنون مدينة تعز فيما بقيت والدته في القرية ولم يكن يزورها سوى في الأعياد، وتمكن علوان من الجمع بين العمل ومواصلة والدراسة، غير أن هذه المعاناة ولدت لديه عقدة الخوف من الزواج وتكرار ماساة فقدان الأب.
شبان كثر عزفوا عن الزواج لأسباب مختلفة ومن هؤلاء نضال (53 عاماً) الذي يرجح أصدقاء ومقربون منه أن عدم زواجه كان نوعاً من التضحية والتضامن مع شقيقته الأكبر سناً والتي لم تتزوج بعد.
ويرى عبد الغفور في ثقافة العيب قيداً كبيراً يشل شخصية الفرد، وخصوصاً الأنثى، مشيراً إلى جامعيات وناشطات في المجال العام اضطررن إلى التخلي عن أفكارهن وقبول وضع الزوجة الثانية بعد أن بلغن سناً معينة.
والحال إن استمرار الحرب وتفشّي المجاعة والبطالة ونزوح أكثر من 3 ملايين يمني لم يحل دون الزواج، بل ما تزال حفلات الأعراس تنظم في المدن والقرى، وإن بنسبة أقل.
ويرى الخريج العاطل من العمل مصطفى حامد (29 سنة) أن من يقرر الزواج في ظل هذه الظروف الاقتصادية القاسية “إما لص كبير أو انتحاري”. لكن الثقافة الدينية التي تسلم بالقضاء والقدر، وفق ما تقول منال، تجعل كثراً يتوكلون على الله ويتزوجون على رغم أهوال الحرب والجوع.
لكنه تسليم لن يراود علوان الذي سيحتفل مطلع الشهر القادم بعيد ميلاده، وما زال يردد مقولته “الفرح للأغنياء والتعاسة لغيرهم”.
المصدر: جريدة الحياة

مقالات مشابهة