المشاهد نت

قرار تعويم الريال: حرب مكتملة الأركان على المواطن اليمني

البنك المركزي اليمني- فرع بعدن

المشاهد – معاذ الحيدري – خاص:
أثار قرار تعويم الريال الذي اتخذه البنك المركزي اليمني في عدن جدلا واسعا في الوسطين السياسي والاقتصادي اليمني، وتعويم الريال حسب خبراء اقتصاديين، يعني لكل يوم سعر صرف، بحيث يتحدد السعر وفق السوق وآلية العرض والطلب، ولا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديده بشكل مباشر.
بمعنى اخر أن أسعار صرف العملة العائمة ستتغير باستمرار مع كل تغير يشهده العرض والطلب على العملات الأجنبية، بمعنى أنها قد تتغير عدة مرات في اليوم الواحد، الأمر يشبه تماما البورصة صعودا وهبوطا.
ما هو حاصل خلال الحرب، ووفق تقديرات ونتائج اقتصادية هو ان الريال معوم فعلا والبنك المركزي فقد القدرة على ضبط سعر وسوق الصرف اللي أصبح خاضع تماما للسوق والمضاربين، وتلاقي سعر الصرف يوم340 ريال للدولار الواحد، وثاني يوم 350 وبعد ايام 370 ريال للدولار. عمليا، حتى البنوك التجارية كانت الغت التعامل بسعر البنك المركزي 250 ريال للدولار وبدأت تتعامل بسعر السوق.
لماذا اتخذ البنك المركزي هذا القرار في هذا التوقيت؟ يجيب على هذا السؤال أستاذ الاقتصاد بجامعة ذمار، لـ المشاهد بالقول: “يعاني السوق من شح كبير في العملات الأجنبية ومن المضاربات وارتفاع مهول لسعر صرف العملة في السوق الموازية (السوداء) مقابل سعرها الثابت في البنك المركزي، وهذا القرار سيلغي هذا الفارق وسيكون العرض والطلب هو المتحكم بسعر الصرف”.
المواطن هو المتضرر الوحيد
ووفق خبراء ومتخصصون في السوق اليمنية وسط الحرب، تشهد مضاربة شديدة على النقد الأجنبي، في ظل انخفاض المعروض النقدي بسبب الركود الاقتصادي وتوقف الاستثمارات، فضلا عن عجز البنك المركزي عن التدخل في سوق الصرف واعتماده على آليات عقيمة لم تُجدِ في تحقيق الاستقرار النقدي.
يقول الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي فاروق الكمالي، لـ المشاهد: “يمكن تفهم قرار البنك المركزي بتحرير أسعار الصرف كونه استجابة للواقع، لكنه يظل غير مدروس ولم ترافقه اجراءات لمواجهة تداعياته وأبرزها الزيادة في الأسعار، والتدهور المتوقع للريال في ظل بيئة غير مستقرة، والقرار ايجابي من ناحية الغاء الفوارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق، مما يعني اختفاء المضاربة وايقاف باب واسع للفساد والثراء كان يستفيد من فارق سعر الصرف، لكنه لن يعمل على وقف تدهور الريال في ظل فقدان البنك المركزي أدوات السيطرة على سوق الصرف”.
وحسب الكمالي، سيوفر قرار تعويم الريال موارد مالية للحكومة من خلال تحصيل الرسوم الجمركية بسعر السوق. 370 ريالا للدولار، لكن هذه الزيادة الجمركية ستنعكس في ارتفاع الأسعار وسيتحملها المواطن”.
تداعيات ومخاوف اقتصادية
سيكون للقرار تداعيات خطيرة فيما يتعلق بالأسعار، فالبنك المركزي يتعامل مع التجار بالسعر الرسمي 250 ريال للدولار فيما يتعلق بالرسوم الجمركية، ومن بكره سيدفع التجار بسعر السوق 370 ريال للدولار، وسترتفع الأسعار والواضح ان البنك لا يمتلك سياسة لمواجهة تداعيات قرار التعويم وهو قرار سينعكس في ارتفاع الاسعار، وفي مزيد من التدهور للريال.
مخاوف عديدة تسبب بها قرار تعويم الريال، الذي يتضح من خلال مضمونه أنه اتخذ دون دراسة الوضع المالي للبنوك الأهلية والحكومية، ولم يأخذ بعين الاعتبار العلاقة غير المتكافئة بين الطلب على العملات الأجنبية والعرض منها في السوق المحلي المصرفي، الذي يواجه أزمة سيولة نقدية منذ قرابة العام.
ونظراً لذلك، تصاعدت مخاوف القطاع التجاري من انهيار سعر صرف الريال اليمني، والذي سوف يتسبب بتآكل رؤوس الأموال من العملة المحلية، وهو حال البنوك التجارية والإسلامية التي تعيش أسوأ مراحلها التاريخية بسبب تراجع الإيداعات المالية، وارتفاع السحوبات الناتجة من تصاعد أزمة الثقة بين البنوك وعملائها من جانب، وكذلك تراجع أداء البنوك وتوقف نشاطها الاستثماري في البلد.
ماذا يقول أصحاب محلات الصرافة؟
يقول عبد الرحمن علوي، صاحب شركة صرافة بصنعاء لـ “المشاهد” أن القرار سيكون له تداعيات وخيمة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي لليمن، وأشار إلى أن المواطن اليمني سيكون المتضرر الأول من جراء القرار.
ويشير الى ان محلات الصرافة، من ضمن المتضررين، خصوصا وان هذه الشركات لم يعرها البنك المركزي اليمني أي اهتماما منذ البداية، والشركات هذه تعمل وفق ما يجري في السوق ولن تتضرر بقدر ما سيتضرر المواطن اليمني.
وأضاف أن تداعيات القرار ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء والدواء والوقود في صنعاء، معتبراً أن صدوره في الوقت الحالي “بداية لحرب اقتصادية مكتملة”.
بالأرقام تداعيات القرار
ويذهب الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي، نبيل الشرعبي في حديثه لـ “المشاهد”: “إذ لم يعد هناك شيء اسمه قطاع اقتصادي ولا استثماري، ولا مصرفي، والدورة المالية التي كانت تستخدم في تسديد الرواتب والبرنامج الاستثماري الحكومي ومقدارها تريليون ومائتي مليار ريال انتهت، وكذلك عملية الادخار توقفت، ومثلها عملية العرض والطلب اختلت بنسبة تصل إلى 60بالمائة، وتوقف تدفق الموارد، وعدم وجود موازنة عامة للدولة منذ ثلاثة أعوام، وتعطل وظائف المالية العامة، وتوقف كثير من مصادر الدخل المحلية، وتوقف غالبية الانشطة الاقتصادية والتبادل التجاري والسياحة وعملية التصدير، وانزلاق عملية التصدير نحو مزيد من العشوائية التي وسعت قاعدة التهريب السلعي يقابلها التهرب الضريبي والجمركي، واختلال القطاع المصرفي والتأميني، وفي المقابل اعتماد حوالي 13مليون نسمة من اليمنيين على تحويلات ذويهم المغتربين بالخارج، فإذا كانت تحويلات المغتربين اليمنيين في الخارج خلال فترة استقرار سعر الصرف بلغت ما يقارب ملياري دولار، ففي وضع كالذي نعيشه ومع قرار التعويم سيرتفع المبلغ، كون المغتربين سيحرصون على تحويل اكبر كم من المبالغ للاستفادة من فوارق الصرف، كما سيتوقفون عن شراء السلع من بلدان اغترابهم، لتوفير سيولة نقدية بعملات صعبة”، وهذا يعزز من بناء مدخرات نقدية كبيرة من العملات الأجنبية خاصة الدولار، وهذا أيضا سيقود إلى انخفاض سعر الذهب والعقارات والمركبات”.
ما الذي يجب فعله حتى يصبح القرار صائبا وايجابيا؟
ولكي تتحقق صوابية هذا القرار، حسب الشرعبي، فانه يتطلب أن يرافق قرار التعويم، اتباع اجراءات أبرزها: ضبط تدفق التحويلات وتوجيه خطابات رسمية من قبل البنك المركزي اليمني إلى الجهات التي يجري تحويل المغتربين عبرها، بتوجيه كافة التحويلات إلى حساب خاص بالبنك المركزي اليمني في الدول مصدر التحويل، يعقبه تحديد أوجه الاستفادة من المبالغ المتراكمة في تغطية احتياجات عملية الاستيراد، وهذا يتطلب قيام البنك المركزي بإنشاء إدارة خاصة تتولى ضبط عملية الاستيراد، وتقوم بدور الوسيط بين البنك المركزي اليمني والمستوردين، حيث يُلزم كل مستورد برفع فواتير طلبيات الاستيراد، وتقوم هذه الإدارة بالتخاطب مع أطراف التصدير لليمن وابرام العقود الخاصة بذلك وتغطية الكلفة من مبالغ التحويلات، بدلاً من تغطية فاتورة الاستيراد من الداخل، وهذا سيعزز من اغلاق قنوات التهريب ونزيف الضرائب والجمارك، وسيعمل على ضبط عملية الضرائب والجمارك”.
ومن الاجراءات المطلوبة لتعزيز صوابية قرار التعويم، حسب الشرعبي : “إلزام البنوك ومحلات الصرافة بعدم تغطية أي نسبة من فاتورة الاستيراد، ايضا استعادة نشاط شركة النفط وانهاء مظاهر تعويم المشتقات النفطية، والتزام البنك المركزي اليمني بضمان حقوق المودعين ومعالجة المشاكل العالقة في مجال الايداع، وفتح مجال للاقتراض من بنوك مركزية عربية ودولية بما يغطي موازنة العام القادم 2018 بنسبة فوائد معقولة وميسرة”.
توضيح رسمي من البنك المركزي اليمني
بعد مرور يومين من اتخاذ القرار، أصدر البنك المركزي اليمني توضيح في مسالة اتخاذ القرار وابعاده واسبابه وأهدافه.
عباس باشا، نائب محافظ البنك المركزي اليمني، يقول في توضيح رسمي لقرار تحرير سعر الصرف: “في مايو 2016م وصل البنك المركزي الى مرحلة العجز التام عن الوفاء بالتزاماته تجاه البنوك في تغطية الاعتمادات المستندية للواردات السلعية بسعر صرف (250) ريالا للدولار الأمريكي ولا تزال الالتزامات التي نشأت عن ذلك قائمة حتى اليوم”.
ويضيف باشا “منذ ذلك التاريخ حتى الوقت الراهن ظل سعر الصرف الرسمي الذي تحدد رسميا بـ (250) ريال يمني للدولار الأمريكي سعرا دفتريا في البنوك ليس إلا، ولم يكن له أثر فاعل في عملية العرض والطلب للنقد الأجنبي واستغل من بعض البنوك لتعظيم منفعتها الخاصة للاستحواذ على فارق سعر الصرف الناتج عن ذلك لصالح حساب المتاجرة والكسب السهل كما نتج عن ذلك بعض الممارسات المخلة”.
وحسب توضيح البنك المركزي هذا، يذهب باشا في حديثه عن سعر الصرف السابق، بالقول: “بهذا يمكننا أن نطلق على ذلك بأنه كان سعرا وهميا في الاقتصاد اليمني إن جاز التعبير، وبالتالي قرار البنك المركزي اليمني هو تصحيح لوضع قائم وليس انتقالا لسياسة سعر صرف جديدة، فسياسة سعر الصرف في الجمهورية اليمنية أساسا قائم على التعويم منذ 1996م وليس على ترتيبات التثبيت بعمله واحدة أو سله من العملات الحرة”.
من ناحية أخرى، وحسب توضيح البنك المركزي، سيساهم هذا التصحيح في جذب المنح وغيرها من موارد للنقد الأجنبي المتأتية من الخارج خاصة المنح التي سيطلقها البنك الدولي والمانحين الآخرين قريبا مثل برنامج التحويلات النقدية الخاص بصندوق الرعاية الاجتماعية، ومحفظة دعم الواردات السلعية وجهود الإغاثة الإنسانية ودعم بعض المشروعات في مجال خدمات التعليم والصحة العامة، ويمهد هذا القرار أوضاع مناسبة لإطلاق ومباشرة برنامج إعادة الاعمار “.

مقالات مشابهة