المشاهد نت

طُرق أنهكت المُسافرين حيث مد الموت لسانه لكل عابر

طرق اصبحت محطات للموت جراء الحرب علي تعز من قبل جماعة الحوثي

المشاهد- آية خالد-خاص :

بَعُدّت المسافة.. وزادّت المَشقة.. ومدَّ الموت لسانه لكل عابر سبيل

لم يعُد السفر إلى تعز سهلّا، فقد تحول بفعل الحرب الهمجية التي يقودها تحالف «الحوثي ـ صالح» إلى جحيم، خنقوا المدينة الحالمة، وحاصروها، وضيقوا على سكانها أيما تضييق، وبسببهم، بَعُدّت مسافة الطُرق، وزادّت مشقة المُسافرين، ومدَّ الموت لسانه لكل عابر سبيل.

 

نقطة البداية

حمادة الحسامي، يمتلك سيارتان، الأولى «باص» والأخرى «صالون»، بهما يوصل المسافرين من صنعاء إلى تعز، والعكس، يقول بحسرة: «لم يعد سمارة الخط الوعر بالنسبة لي، طرق تعز المُتشعبة أصبحت أكثر خطورة»، يصل «الحسامي» الحوبان دون عناء، وما أن يبدأ بنقل الركاب إلى سيارته «الصالون» حتى يستحوذ عليه القلق، وجلَّ همه حينها أن يوصل الركاب إلى قلب المدينة المنكوبة بأمان.

مُنذ بداية الحرب، عايش «الحسامي» معاناة المسافرين لحظة لحظة، يعرف جيداً جميع المداخل المؤدية من وإلى تعز، وما من طريق فرعي إلا ومرَّ منه، استرجعنا معه تفاصيل تنقلاته، وهي على كثرتها أختزلت معاناة السائقين، يقول مُستذكراً: «سلكنا في البداية طريق “الستين ـ وادي غراب”، كنا نتأفف من تعب الطريق، وتعامل الحوثيين اللاإنساني معنا، لنتجه بعد إغلاقه إلى “وادي حنش”، وهو طريق ترابي وعر، كان وما يزال ساحة مواجهات».

قافلة التحدي

مع إشتداد الحصار على مدينة تعز، كان خط «طالوق» المنفذ الوحيد لمرور السيارات ذات الدفع الرباعي، من وإلى المدينة، وهو طريق جبلي شديد الوعورة، ضيق ومزدحم، وساعات الانتظار فيه أكثر من ساعات السفر نفسها، يقول «الحسامي»: «كنا ننتظر فيه حوالي ست ساعات، وأذكر أنه في إحدى السفريات، كانت معنا إمرأة مُسنة، أغمي عليها ثلاث مرات، وظننا أنها قد تفارق الحياة في أية لحظة».

من جهته، إبراهيم الجبري «رئيس قافلة التحدي»، القافلة التي باشرت كسر الحصار عبر ذلك الطريق، قال لـ «المشاهد» أنهم وبسبب وعورته، وتكاليف النقل الباهظة، اضطروا حينها لتقليص كمية المواد التموينية الخاصة بالأسر المتضررة إلى النصف.

دعم العدوان!!

بعد تحرير «بئر باشا»، و«معبر الدحي»، تم إغلاق الطرق السابقة تماماً، ليتحول «الحسامي» وزملائه إلى طرق جديدة أكثر مشقة ووعورة، كخط «البيرين»، الذي يمر بـ «العيار» وبعض مناطق «شمير»، وهو بالأصل مجرى للسيل، حجري ومُتعرج، يُغلق بموسم الأمطار، كان السائقون يحتجزون فيه لساعات، وأحيانًا يباتون فيه.

تم إغلاق ذلك الخط بسرعة، طريق «الوازعية»، الذي يمر بقرى «مفرق شرعب، الظهرة، هجدة، الرمادة، البرح»، كان الخط البديل، لتبرز هنا معاناة كارثية، فـ «سائلة الوازعية» أعمق وأكبر من «سائلة البيرين»، زرع الحوثيون فيها ألغامهم بكثافة، وهناك ضحايا كُثر سقطوا بسببها.

يقول «الحسامي»: «كنت أتحرك بالباص، وأختار أسهل الطرق، وكنا أحياناً نقضي “14” ساعة للدخول من الحوبان إلى المدينة، ليزداد الوضع بعد إغلاق هذا الطريق سواءً، بقيت فترة وجيزة دون عمل، حتى تم فتح طريق “الأقروض”، وطريق “سامع”، الأخير كان مُستويا صالحا لمرور الباصات، لكنه طويل جدا مقارنة بالأول، الذي نجتازه بخمس ساعات، وعيبه أنه غير صالح إلا لسيارات الدفع الرفاعي».

تعرض «الحسامي» لمواقف كثيرة، منها ما هو مضحك، ومنها ما هو مُبكي، ليختم حديثه مازجا بينهما، في شهر رمضان الفائت، وجد الحوثيون معه تمر سعودي، فكان ذلك التمر ذريعة ناجزة لاتهامه بـ «دعم العدوان»، ومن ثم احتجازه لست ساعات!!.

معاناة إضافية

نقاط التفتيش «الحوثية» معاناة أخرى تضاف إلى رصيد المُسافرين، وهذا أحمد الجبري «سائق هيلوكس»، أفاد لـ «المشاهد» بأنه يدخل أحياناً من الحوبان بعشرة ركاب، ولا يصل المدينة إلا بنصفهم؛ وأعاد السبب، إلى أن الأغلب يتم احتجازهم في نقاط التفتيش، إما للاشتباه بهم، لعدم إمتلاكهم بطائق شخصية، أو لدخولهم في شجار مع المُفتشين، لافتا أن الحوثيين في خط «الأقروض» لديهم قانون خاص، وأنهم بعد الخامسة عصرا لا يسمحون لأحد بالمرور.

إقرأ أيضاً  مطابخ خيرية تخفف معاناة الأسر الفقيرة في رمضان

وجدي سعيد، هو الآخر أعلن تذمره وبشد، من هذه النقاط، ومن كثرتها، موجزاً: «معظم ساعات السفر نقضيها فيها»، تشاركه الرأي هديل السقاف، واستثنت: «السائق المحظوظ يحمل معه نساء، بسببهن يمر بسهولة، تخف عليه عملية التفتيش، ويختصر من الوقت الكثير».

طريق القرود

علي عُبادي، شاب عشريني، أفاق ذات صباح على خبر مُفزع، فحواه أن والدته في النزع الأخير، «هو» في صنعاء، و«هي» في أعالي «جبل صبر»، ولأنه وحيدها، وروحها مُتعلقة به حدَّ الجنون، عزم على الوصول إليها بأقصى سرعة، أستقل أول سيارة مُتجهة إلى تعز، ليتزامن وصوله مناطق التماس في «الأقروض»، مع حدوث اشتباكات عنيفة أجبرته ومن معه على الرجوع.

حزَّ في نفس «علي» رؤيته لقمة «جبل صبر» المُطلة على قريته، أصر على الصعود راجلا، أستقل دراجة نارية إلى «عبدان»، ومن هناك بدأ رحلة تحليق، أخذت من وقته وجهده الكثير، عبر طريق وعر، كان حتى الأمس القريب خاصاً بالقرود، ليصل قريته مع بداية اليوم التالي، فارقت أمه الحياة بمجرد وصوله، بكى عليها بحرقة، وأحيا مراسم دفنها على سفر.

عودة مؤجلة

الدكتورة حنان أحمد، نزحت وزوجها إلى مدينة إب، قبل أكثر من عام ، بعد أن تسبب «صاروخ كاتيوشا» بإحراق منزلهم في «حارة الهريش»، كانت حينها حامل في شهرها الثاني، تقول: «قررنا وزوجي أن نمر من طريق “الوازعية” مع الشاحنة الناقلة للعفش، تحركنا من تعز الساعة العاشرة صباحاً، ولم نصل الحوبان إلا الساعة الحادية عشرة ليلا، وبسبب وعورة الطريق، ومرورنا بنقاط تفتيش كثيرة، كنت مُعرضة للإجهاض، ومن يومها قررت أن لا أعود إلى تعز إلا وقد تحررت بالكامل».

خطوط النار

مَخاطر الحرب والمواجهات كثيرة ومُتعددة، ألقت بظلالها على المسافرين، ضحايا كُثر سقطوا، إما بلغم غادر، أو برصاص عابر، ماهر المقطري أحد أولئك، لم يكد يكمل عامه الأول زواج، حتى أنفجر أحد الألغام بالسيارة التي كان يستقلها، مُجبرا روحه على المغادرة، وذلك في منطقة «الربيعي»، أثناء خروجه من مدينة تعز مُتوجها إلى محافظة مأرب، مقر عمله، بعد زيارة قصيرة أطمئن فيها على صحة زوجته الحامل، جميع من كانوا معه فارقوا الحياة، عدى راكب واحد، دخل جحيم الإعاقة من بابها المظلم.

ناصر سعيد، ضحية آخر، لقي مصرعه قبل عامين، والسبب شجار بين سائق السيارة التي كان يستقلها، وأحد الحوثيين، أطلق ألأخير النار على السائق ومن بجواره، كان «ناصر» أحدهم، أخترقت رصاصة فخذه، لتزداد حالته بعد إسعافه إلى المُستشفى سواءً، كل ذلك، وأسرته لا تعلم عنه شيئا، ولأنه مصاب بالسكري ظهرت عليه أعراض «الغرغرينا»، بتروا قدمه اليمني ثم اليسرى، ليموت في ذات المستشفى، تاركًا خلفه زوجة مقهورة، وسبعة أطفال.

يقول مؤيد العقيبي: «نمر بخطوط النار، ونحن مُعرضين بأي وقت للقنص والضرب العشوائي»، منتقلاً إلى مشاكل أخرى أنهكته وغيره من المسافرين، فأجرة السفر حدّ وصفه كل يوم في ازدياد، ولا رقيب ولا حسيب على ذلك، مشيرا إلى أن أغلب الركاب والسائقين يتعرضون كل يوم للإهانات والمضايقات، وأن خسائرهم المادية والمعنوية كثيرة، ولا تعوض.

دعاء أخير

لا توجد حتى اللحظة إحصاءات شاملة ودقيقة لضحايا تلك الطرق، فثمة ظروف أمنية قاهرة حالت دون الوصول للرقم الفعلي لذلك، غير أن معظم التقديرات تشير إلى أغلب الضحايا لقوا حتفهم بسبب الألغام، وهم بالعشرات.

مقالات مشابهة