المشاهد نت

ضحايا حرّب.. قتلهم فضولهم

صورة ارشيفية

المشاهد- غيداء المُليكي-خاص :

في الحرب التي يُشنها تحالف «الحوثي ـ صالح» على اليمنيين، ثمة ضحايا كُثر قتلهم فضولهم، ولم يحدث أن أشار أحد مراكز الرصد والتوثيق الحقوقية لـ «الفضول» كسبب، ولو بإشارة عابرة، وحدها ألسنة الناس تتحدث عن ذلك، وبإسهاب مُفرط، يترحمون على الضحايا، ويتبعون أحاديثهم بمفردة «لو»، بما يشبه الاعتراض على قدر الله.

ما أن تصل قذيفة حوثية إلى مكان ما، حتى يَهرّع أغلب الناس لمشاهدة أضرارها عن قُرب، لتستقبلهم بمُجرد وصولهم قَذيفة أخرى، توزعهم بين قتيل وجريح، من نجا من شظاياها محظوظ، ومن تروى في الحضور أحسن حظا، وإذا كان «الفضول» في السلم يورث الندامة، فإنه في الحرب لا يورث سوى الموت.

مأساة تتكرر

تتوزع المأساة على معظم المناطق اليمنية، التي تعرضت وما زالت تتعرض للقصف «الحوثي ـ عفاشي»، ولأن التفاصيل تتشابه، تتكرر، نكتفى هنا بذكر بعضها كعناوين، دون التعمق أكثر.

ـ قبل ثلاثة أعوام، وصل صاروخ كاتيوشا إلى «المنصورة ـ عدن»، ما أن أحتشد لمشاهدة أضراره جمع غفير من الناس، حتى وصل صاروخ أخر، مُحدثاً مجزرة لم تنم عدن من هولها، أكثر من «40» ضحية قتلهم فضولهم، غير الجرحى الذين اكتظت بهم مُستشفيات المدينة.

ـ قبل عامين، وصل صاروخ كاتيوشا إلى «الأقروض ـ تعز»، ما أن أحتشد لمشاهدة أضراره جمع غفير من الناس، حتى وصل صاروخ أخر، مُحدثاً مجزرة لم تنم تعز من هولها، أكثر من «30» ضحية قتلهم فضولهم، غير الجرحى الذين اكتظت بهم مستشفيات المدينة.

ـ قبل بضعة أشهر، أنهالت القذائف الحوثية على قرى «جبل صبر» بكثافة، وصلت إحداها إلى مشارف منطقة «المعقاب»، هرول فارس بكرين وثلاثة آخرين إلى مكان وقوعها، استقبلتهم قذيفة أخرى وقطعتهم أشلاء، شارك «فارس» في معظم ملاحم تعز البطولية، كان مقاوماً من الطراز الأول، نجا من الموت أكثر من مرة، وكانت نهايته شهيداً فضولياً.

سلوك خاطئ

في حالات نادرة، لا يتبع الإنقلابيون القذيفة الأولى بقذيفة ثانية، وهنا تولد إشكالية أخرى، فالتجمهر المُكثف في مواقع مُحددة ومحدودة المساحة يعيق أعمال الإسعاف والإنقاذ، الأمر الذي يؤدي إلى انتكاسات أكثر، وربما كان سببا في زيادة أعداد القتلى.

يستغرب معين القادري من هؤلاء المُتجمهرين، ويستغرب أكثر من عدم ابتعادهم عن الموقع لفتح المجال لأهل الاختصاص، ويضيف بحسره: «قد يموت المُصاب بسببهم، فلا هم أنقذوه، ولا هم تركوا أحداً ينقذه»، ويتساءل: «هل يدرك المتجمعون بشكل غوغائي أنهم يقترفون وينهجون سلوكاً خاطئاً».

ظاهرة إيجابية

تقول منال العريقي: «هناك بين الأنقاض حالات خطرة تستدعي الحضور الفوري، والتأخر عن إسعافها يعني الموت»، واصمة الظاهرة ككل بـ «الإيجابية»، وأنها تكشف مدى إنسانية المواطن اليمني، التواق لفعل الخير، وإنقاذ الضحايا, حتى لوكان الثمن حياته.

تشاركها الرأي زميلتها مها الشرجبي، غير أن الأخيرة دعت لضبط عملية الإنقاذ، موجزة: «مش بالضرورة يحضر الجميع»، داعية أهل الاختصاص لتولي مهمتهم بفاعلية.

مهنة صعبة

الزحام الشديد أمام أي حادث يقود إلى إشكالات كثيرة، سواء للمُصابين أنفسهم، أو للجهات المعنية المُخولة بإنقاذهم، وبتعدد هذه الجهات، يبقى طابع الشكوى والتذمر مُخيماً على الجميع، فيما يبقى ذلك التجمهر مبرراً ماثلاً لتقصير تلك الجهات المُقصرة فعلاً.

وإذا كانت «الطوارئ الطبية» مهنة صعبة، فإنها في ظل وجود هؤلاء الفضوليين أكثر صعوبة، حمدي البركاني، «طبيب طوارئ»، قال عنهم: «إنهم يصعّبون مهمتنا في إيصال المعدات الطبية، وأحياناً نعجز عن اختراقهم لإسعاف المصابين في أقصى سرعة ممكنة»، داعياً إلى ضرورة بث الوعي لدى أفراد المجتمع، وتعويدهم على التعامل بطريقة سليمة في مثل هكذا مواقف.

إقرأ أيضاً  دور النساء في تحسين جودة الدراما اليمنية

قتلـوه مُسعفـوه

ثمة نتـائج كارثيـة جراء هذه الفضـولية المُستهترة بأرواح الناس وخصوصياتهم، و«كم من مُصاب قتلـوه مُسعفـوه»، حقيقة صادمة كشفها لنا الدكتور طلال حسن، مُستشهدا بضحية ستيني، أصيب بشظية صغيرة في الرأس، حشد من الفُضوليين صيروا أنفسهم مُسعفين ثقات، لم يركزوا على تلك الإصابة، فيما كان تركيزهم على الجروح السطحية المتوزعة على باقي جسد المصاب، وفوق ذلك، أسعفوه جالساً فوق سيارة عادية!!.

فارق المصاب الحياة قبل أن يصل بوابة المستشفى بقليل، وفي المُستشفى كان توبيخ «طلال» للمسعفين شديداً للغاية، قالها لهم بصريح العبارة: «صحيح إن غرضكم نبيل، إلا إنكم أغبياء، لو أسعفتموه ممتداً وبسرعة لكان الآن حياً يُرزق!».

نتائج عكسية

وعلى ذكر الفئة الفضولية ذات الغرض النبيل، ثمة محاذير مُهمة أشار إليه «د. طلال»، مؤكداً أن أفضل طريقة للمساعدة، هي إخلاء المكان للإتاحة للجهات المُنقذة أن تقوم بعملها بسهولة ويسر.

وهو كما يشكر هذه الفئة على حُسن نواياها، إلا أن هذا الشعور الطيب والحماس لا يكفي، لأن كثيراً من الحوادث قد تؤدي إلى إصابات تتطلب عدم تحريك المُصاب ونقله، خوفاً من المضاعفات، إلا بطريقة محددة يعرفها المُسعفون، لافتاً أن ما يقوم به البعض بدافع المساعدة والشهامة، غالباً ما يكون له نتائج عكسية.

هلمّوا..

ربّ حادثة ما صارت مزاراً، إذ يسارع فلان من الناس بأن يبلّغ أصحابه وذويه بـ «أن هلموا..»، وترى المُتطفلين أكثر من المُسعفين، فيما الحادثة وضحاياها قد تلقفتها تلفونات الجميع، ومن هنا كان لابد ان نُعرج إلى إشكالية مُهمة، تتمثل في استخدام الهواتف المحمولة في تصوير وقائع تلك الحوادث، وهو بإجماع الجميع أمر مُشين لا يقبله عقل، ولا يقره شرع، وفيه انتهاك لحرمات الأخريين.

تقول مها الشرجبي: «لو أن كل فضولي تخيل نفسه أحد هؤلاء المُصابين ما أحب أن يحتشد عليه الجميع، أو أن يتطفل عليه جاهل، وأن يصوره هاوٍ»، ودعت المثقفين والمتعلمين، أن يبادروا بتوجيه الناس وإبعادهم، وأن يستجلبوا أهل الاختصاص والدراية، حتى من بين الحاضرين أنفسهم.

إلحاح نفسي

إذا كان «الفضول» عند الناس أمراً طبيعياً، كنوع من حب المعرفة، إلا أنه عند البعض يتجاوز ذلك، ليصبح إلحاحاً نفسياً لا يستطيعون التخلص منه، إلا بمعرفة جميع تفاصيل المواقف والحوادث التي تصادفهم، وما أن يتجمعون حول حادثة ما، حتى يبدأون بالتعرف على أدق تفاصيلها.

هؤلاء، حسب حديث للدكتور جميل الشجاع، يعانون من فراغ نفسي، ولا هم لهم إلا البحث عن أي شيء يشغلون به أوقاتهم، مُستثنياً ذوي الغرض النبيل، وهم الفئة التي هدفها تقديم المساعدة، أو السؤال عن المُصاب للاطمئنان إلى أنه ليس من الأقارب أو المعارف، وأياً كانت الأسباب، خلص «الشجاع» إلى أن السمة الغالبة للأشخاص المُتجمهرين، تنحصر في أنهم من الشباب والمراهقين.

خلاصة القول

في المقابل هناك أناس لا يكترثون لما يحدث حولهم، يهربون من الوهلة الأولى، حتى وإن كانوا بالقرب من مكان الحادث، أولئك حسب «الشجاع» قليلون جداً، فهم إما يخشون التعرض للقصف، أو يرعبون من رؤية الدماء والأجساد المُصابة.

وخلاصة القول: تختلف المُجتمعات في مدى استجابة أفرادها للحوادث التي تقع أمامهم، وذلك تبعاً لطبيعتهم وخصائصهم الانفعالية والاجتماعية، ولأن الإنسان الغربي يميل إلى الذاتية والفردية، فهو أقل إهتماماً بما يحصل حوله من حوادث، الإنسان العربي في المُقابل، أكثر انفعالاً بالجوانب الاجتماعية، وهذه الظاهرة تشكّل جوانب مهمة من سلوكه الاجتماعي

مقالات مشابهة