المشاهد نت

القات… قطار الكوليرا السريع

اسواق القات في اليمن

المشاهد-هشام المحيا- خاص :

هكذا شاءت أقداره أن يجد نفسه مرميا في فضاء معاناة واسع ، تزدحم فيه كل ألوان التعاسة والبؤس والشقاء ،وما يحزنه أكثر أن كل طرق الخلاص من ذلك الفضاء تؤدي إلى مربع واحد حيث الموت الذي لا يرحم احدا .. فارس الصبري ذو الثلاثين عاما نجا من الموت في الحرب لكن لم ينج من غيرها فكان أحد ضحايا الكوليرا في زمن الحرب،  المرض الوبائي الذي يجتاح المدن والارياف اليمنية .

لم تكن اصابة الصبري بالكوليرا ــ الذي يقطن في العاصمة صنعاء ــ عن طريق الاكل أو المياه أو التصافح بل كان عن طريق تناوله لشجرة القات التي لا يمكن الاحتراز منها  ،  فهو يأتي من أماكن مجهولة وغير مؤمنة صحيا وكذا عدم نظافة العاملين في مهنة قطف وبيع القات وبالتالي يكون الشخص المتناول للقات أكثر عرضة للإصابة بالكوليرا من غيره .

يتحدث شقيق فارس الصبري عن مدى تأكدهم من إصابة شقيقه عن طريق القات واستبعاد بقية الاسباب فيقول ” الكوليرا مرض وبائي وهو في الأصل بكتيريا ينتقل عبر الأكل أو الشرب أو الملامسة ، وبالتالي يمكن الوقاية منه عبر النظافة الشخصية وتجنب الأماكن العامة المشبوهة وهو ما كان يفعله أخي إذ كان يحرص على القيام بكل وسائل الوقاية لكنه تناسى ما هو أخطر وهو القات فكان يقوم بشرائه من أشخاص لا يعرفهم ويتناوله دون أن يقوم بغسله ، الأمر الذي سهل عملية انتقال الكوليرا إليه وخلال فترة قليلة من تناوله للقات  تدهورت حالة الصحية ورغم  إسعافه إلى المستشفى لإنقاذ حياته إلا أن الموت كان أسرع منا  ”

ضحايا بالجملة

محمد الربادي من محافظة إب مديرية العدين يتحدث هو الاخر ــ للمشاهد ــ عن الكوليرا والقات وكيف أصابت والده فيقول ” تسكن أسرتي في منطقة ريفية بالعدين محافظة إب وهي منطقة لا تتوفر فيها المرافق الصحية اللازمة ومع تفشي وباء الكوليرا لم يكن هناك أي تحرك للجهات المسئولة لاحتواء المشكلة ومع وصول المرض إلى المحافظة وانتشاره أصيب والدي به وقمنا بإسعافه إلى المستشفى في المدينة والذي كان مكتظا بمئات المصابين بذات الوباء ، ورغم ذلك لم يتجاوز والدي مرحلة الخطر حتى اللحظة ، ما يعني أنه قد يفارق الحياة بأي وقت ” محمد يكاد يجزم بأن القات كان السبب الرئيس في إصابة والده بالكوليرا إذ لم يحدث له شيء قبل أن يتناوله .

لم يكن فارس أو الربادي الوحيدين الذين أصابتهما   الكوليرا عن طريق مضغ القات فهناك الكثير ولكن لعدم وجود التشخيص في مستشفيات اليمن من جهة وتداخل الأسباب من جهة أخرى لم يتمكن الأطباء من إفراد حالات الإصابة بسبب القات عن غيره .

يذكر  أن عدد من أصابتهم الكوليرا إجمالا  وقضت عليهم تجاوز مائتي  شخص خلال أقل من شهر  فقط  ، موزعين على عدة محافظات أبرزها أمانة العاصمة وإب ، فيما تجاوز عدد المصابين  17 ألف مصابا وفقا لتقارير منظمات دولية ، ولا يزال ملايين اليمنيين معرضين لخطر الإصابة ، فحسب الإحصائيات الرسمية  يبلغ عدد سكان الفئة العمرية من 15 سنة إلى 54 سنة حوالي 14 مليون نسمة أكثر من ثلي العدد تقريبا ــ أي قرابة 9 مليون نسمة ــ يتناولون القات بصور متفاوتة ، فمنهم من يتناوله بصورة يومية ومنهم أسبوعيا ومنهم بالمناسبات ، وتتضح حجم الكارثة عند معرفة  المساحة الكلية لزراعة القات في اليمن والتي تصل إلى 168 ألف و772 هكتار ، ستشكل الكارثة الحقيقة للوباء إذا ما انتقل إلى تلك المزارع .

إقرأ أيضاً  دور النساء في تحسين جودة الدراما اليمنية

على وشك  الكارثة

الدكتور منير السالمي ــ أخصائي باطنية ـ يتحدث عن وباء الكوليرا ومدى الخطورة التي تكمن فيها وطرق انتقالها فيقول ” الكوليرا نوع من أنواع البكتيريا وهي معدية وتصيب الجهاز الهضمي وخاصة الأمعاء الدقيقة حيث تفرز سموما تؤثر على تلك الأمعاء مما يسبب إسهال وتقيء حادين بشكل مستمر وهذا يؤدي إلى الإصابة بالجفاف في الجسم الأمر الذي يسرع من عملية الوفاة ما لم يتلقَ المصاب العلاج المناسب بشكل عاجل خلال الثمان الساعات الأولى أو الأيام الأولى للإصابة على الأكثر ، وكلما تأخر المريض بتلقي العلاج كلما تضاءلت فرص النجاة ” وعن القات والكوليرا يقول السالمي ” في الواقع تبدو الكوليرا في الدول التي تصيب بعض سكانها مرعبة ، وكثيرا ما يحترز الناس  من الغذاء والماء ، أما في اليمن فإلى جانب ذلك يتواجد لدينا القات وهو وسيلة رئيسية إن لم تكن الأولى من وسائل نقل المرض ، فالشخص الذي يتناول القات لا يدري من أين مصدره أو مدى خلو الأشخاص ــ الذين يعملون في مهنة بيع القات ــ من البكتيريا وبالتالي نحن أمام كارثة حقيقية يجب أن تتكاتف الجهود للخلاص منها ويكون ذلك بالنظافة الشخصية والنظافة العامة ومعرفة الإسعافات الأولية لإنقاذ شخص ما ”

ثقافة وإهمال

سامي الحاج شاب في الثامنة والعشرين من عمره يقطن في مدينة مأرب مدمن على تناول شجرة القات ولذلك فهو لا يستطيع الإقلاع عنه في ضل  التفشي الكبير والسريع  لوباء الكوليرا ، وكمحاولة للوقاية من المرض يقول الحاج بأنه ذهب إلى إحدى العيادات الطبية وأخذ منها المعلومات اللازمة للوقاية من البكتيريا ، أما زميله وسيم العامري الذي يشاركه العادة والإدمان  فلم يعر الأمر أهمية فهو كما يقول ” متوكل على الله ” رغم أن محيطه يذكرونه بالأخذ بالأسباب ليحظى بعناية الله .

ختاما

بدأت الكوليرا في التفشي من العاصمة صنعاء قبل أن تجتاح العديد من المحافظات وكانت الأسباب كثيرة ورغم ذلك  لم تتخذ السلطات الأمر بجدية فالانقلابيون ــ  الذين تسببوا في وجود وانتشار الوباء بتكدس القمامة في صنعاء ونهبهم لمستحقات النظافة ــ لم يتحركوا على الأرض لوقف الكارثة ،  وفي الاتجاه الأخر حيث تقف الشرعية لم يجد المواطنون التحركات اللازمة من قبل الجهات المسئولة فيها لوقف انتشار المرض ومن ثم القضاء عليه ، وفي حال استمرار تفشي المرض ووصوله إلى مزارع القات فإن الوفيات اليومية لن تكون بالعشرات بل بالمئات وربما الآلاف .

 

مقالات مشابهة