المشاهد نت

تجار التجزئة بتعز.. ضحايا بالجُملة..

محلات تجارية دمرت بتعز

تقرير ـ آية خالد-خاص :

لم يكن عيسى الحطامي يدري بما خبأه له القدر، خرج كعادته صباح من عام 2016م  من منزله متوجهاً صوب بقالته «الفتح» في «حي صالة» شرقي مدينة تعز، ترصد قناص الغدر خطاه، وأرداه أمامها قتيلاً، عن «50» عاماً، قضى معظمها في إعالة «8» أبناء وزوجة مكلومة ما تزال حتى اللحظة تندب حظه وحظها العاثر.

«رمزي» الإبن الأكبر لـ «عيسى»، حلَّ محل أبيه في البقالة والإعاله، تحدث لـ «المشاهد » بأسى عن عظيم فاجعته، وأردف وقد اغرورقت عيناه بالدموع: «قتلوا أبي رغم أنه أعزل، قتلوه بدم بارد، وقتلوا معه أحلامنا وتطلعاتنا بغدٍ أفضل، وتركونا بلا عائل ولا سائل، منهم لله»، وأردف: «لا مكان لنا لنذهب إليه، هنا ولدنا وتربينا، وهنا سنموت، وما هو مقدر سنأخذه، ولا مفر من إرادة الله».

من الباب الخلفي

غير عائلة «عيسى» هناك على أطراف مناطق «صالة، والجحملية، وثعبات» أسر كثيرة أصرت رغم القصف العشوائي على البقاء، وكذلك فعل بعض أصحاب البقالات الصغيرة والمتوسطة، فضلوا المرابطة هناك خدمة لتلك الأسر، وحفاظاً على مصدر رزق يقيهم مذلة السؤال.

رغم وقوع بقالة «النيل» في أحد خطوط التماس، أصر صاحبها «م. ع» على البقاء فيها منذ بداية الحرب، خدمة لمن بقي معه من سكان الحي، اللذين أشادوا به وبصموده، وبمساعدتهم استحدث طريقاً آمناً الى باب بقالته الخلفي، كلفه وكلفهم الكثير، بعد أن سارع بإغلاق الأبواب الرئيسية، خوفاً على حياته من غدر قناص، أو شظية قذيفة.

لم تعد الصورة كما كانت

لا شيء هنا في «حي العسكري» غير الركام، وذكرى مؤرقة لشوارع كانت حتى الأمس القريب تضج بالحياة، وتعج بالمارة وطالبي الرزق الحلال، فجأة تغير المشهد، أصبحت الصورة أكثر قتامة، طرق ملغومة، وقناص مُترصد، وقذيفة عشوائية تقع هنا أو هناك.

نشوان سعيد الربادي «صاحب محل خضروات» استذكر بعجالة أيامه الخوالي، وكيف كان دخله اليومي يتنامى، مع نهاية كل أسبوع يرسل لأهله في القرية بمصاريفهم، ويدخر ما تبقى، وكيف وكيف..؟! صحيح أن الصورة حدَّ وصفه لم تعد كما كانت، وأن الحصار، وبُعد المسافة، وضيق أحول الناس، وقلتهم، أسباب اجتمعت وجعلته بالكاد يجني قوت يومه، إلا أن أمله بتعز كبير، نعت سكانها بالأقوياء، وبأنهم يحبون الحياة ويجيدون صناعة المستقبل.

هبوط إجباري

من جهته هاشم الخطيب، صاحب «بقالة الهدى ـ ثعبات» قال لـــ”المشاهد” أن دخل بقالته اليومي هبط من «400,000» ريال إلى «400» ريال، مُشيراً إلى أن الحرب أصابت تجارته في مقتل، وصار يغلق بقالته الساعة الخامسة عصراً، بعد أن كان يغلقها عند انتصاف الليل، معللاً ذلك بمغادرة أغلب سكان الحي لمنازلهم، وامتناع سائقي السيارات عن إيصال بضاعته، كون المنطقة مكشوفة وعرضة للقناصين.

إقرأ أيضاً  مشكلة الأرقام المؤقتة للوحات المركبات بتعز

العمل حد توصيف «الخطيب» متوقف، ولم يعد بقائه في المحل إلا تمضية للوقت، وخدمة لمن تبقى من سكان الحي، بعد أن عمل على توفير بعض الحاجيات الضرورية بطرق فيها خطورة على حياته، وهو رغم قساوة ظروفه بدا متفائلاً للغاية، طالب أبطال المقاومة بالصبر والثبات، وأردف أن تعز على أيدي هؤلاء الرجال ستعود أفضل مما كانت.

بقايا كارثة

تسببت الحرب الكارثية على مدينة تعز بنزوح آلاف الأسر، وتضرر مئات المنازل والمحلات التجارية، مثلت الأخيرة مصدر رزق لدى كثيريين، وبتضررها تضررت أحوالهم، وتحولت حياتهم إلى جحيم.

عبدالعزيز مهيوب واحدٌ من هؤلاء، تسببت الحرب بتدمير مصدر دخله الوحيد، «بوفية البركة»، وقف أمام أطلالها المتناثرة مشهراً إفلاسه، لاعناً الحرب ومن تسببوا بها، قائلاً بنبرة حزينة: «كنا مرتاحين حتى أتى هؤلاء المجانين ـ يقصد الحوثيين ـ قصفوا وقتلوا ودمروا، وأوصلوا المعاناة لكل بيت».

لم يعد لـ «مهيوب» اليوم مصدر رزق يعتمد عليه، ظروفه سيئة للغاية، نزح للقرية ثم عاد، باع ما يملكه من أرض، وبها أعتاش وعاش، وحين نفد ما في الجيب، صار يستجدي أصدقاؤه المقربون، ويوم سعده أن يجد من يقرضه مبلغاً من المال.

الجحملية.. الأكثر تضرراً

بحسب الإحصائيات الرسمية فإن عدد المنشآت الحكومية والمحلات التجارية التي طالها قصف جماعة الحوثي بالتدمير الكلي أو الجزئي بلغت نحو «3,782» منشأة، منها «554» محلاً تجارياً، توجد أغلبها في أحياء «الجحملية، وصالة، وثعبات، والحصب، وحوض الأشراف».

حي «الجحملية» نال نصيب الأسد من ذلك، يبرز هنا كنموذج سافر لذلك الجنون المليشاوي، تعرض «70%» منه للقصف والدمار، فيما النسبة الباقية لا تزال مهددة بالنسف في أي لحظة، بسبب ذلك الكم الهائل من الألغام والعبوات الناسفة المزروعة في أرجائه، الجدير بالذكر أن «159» بناية في ذات الحي تعرضت للتدمير والنسف، منها «21» محلاً تجارياً.     الحصب يتعافى

من بين الركام، ثمة شواهد كثيرة تحكي تفاصيل تلك المأساة، «حي الحصب» واحدٌ من احياء كثيرة تعرضت للقصف والدمار، غادرته جماعة  مُنكسرة منذ أكثر من عام، عادت إليه الحياة من جديد، محلات كثيرة رمُمت، واخرى فتحت أبوابها، وما زال العمل جارٍ على اصلاح ما افسدته الحرب، وكما تعافى هذا الحي، ستتعافى باقي أحياء المدينة المنكوبة بالتدريج.

ما مارسه الإنقلابيون بحق تعز «ريف ومدينة» لن يمحى، ستلاحقهم كلعنة أزلية، وسيدون التاريخ تفاصيل جُرمهم بأحرفٍ من نار، من هنا مروا، ومن هنا سيغادروا، سيذهبون الى الجحيم، وستبقى تعز عصية على الانكسار، ستنجو وستنتفض كطائر العنقاء من بين الرماد.

مقالات مشابهة